الرفاهية في بيئة العمل 2024-01-30
Super Admin 2024-01-30
الرفاهية في بيئة العمل

من وجبات صحية مجانية وصالة رياضية مُجهّزة  مرورًا بحزمة مكافئات مالية ومعنوية مجزية وجلسات مخصصة للتأمل والعلاج النفسي حتى وصل الأمر إلى مكاتب ملائمة ليس  للجنس البشري وحسب بل  للحيوانات الأليفة كذلك التي لا يستطيع أن يتركها صاحبها في المنزل، إن مفهوم الرفاهية في العمل يأخذ أشكال مختلفة  حول العالم، تتطور مع تقدم الزمن وتغيراته منذ أن بدأت الرحلة مع الطبيب الإيطالي بيرناردينو راماتزيني الذي يُقال بأنه أول من أدخل مفهوم الرفاهية في العمل وذلك في القرن السابع عشر عن طريق كتابه “أمراض العُمال” الذي يُعد من أوائل الكتب التي منحت موضوع الأمراض المهنية حيزًا من الإهتمام. 

منذ تلك اللحظة حتى اليوم، كثير من التغيرات طرأت على مفهوم “الرفاهية” بشكل عام في سياق البيئات العملية أو خارجها، لكن الشيء الأكيد أن كثير من الدراسات أظهرت أن الافتقار إلى الرفاهية في العمل، بمختلف أشكالها، أدى إلى انخفاض ولاء الموظفين، وزيادة في معدلات التغيب عن العمل مما أحدث تأثيرات واضحة على مستوى الإنتاجية. 

الحقيقة، حينما نتأمل الأمر من زاوية زمنية نجد أن الموظفون يقضون معظم أوقاتهم داخل مقار العمل أو لأجل العمل إن كانوا يعملون بنمط العمل عن بعد، ولذا لا يمكنك كصاحب منشأة أو شركة أن تنتظر ذلك المشهد الذي ترى فيه الموظف يحرق لك المراحل ويكد بكل حماسة وشغف وحب مالم يصاحب ذلك بيئة تمنحه حقوقه وتوفر له الدعم والتحفيز الكافٍ، وإن تحامل على نفسه قسرًا فلن يدوم الأمر طويلًا، لأنه في الأخير لا يمكن لشمعة أن تثور في وجه الظلام للأبد، لا بد وأن يغلبها السواد.

ربما كثير من الموظفين اليوم لا يطالب بصالة ألعاب فاخرة كتلك الموجودة في Google مثلًا،  أو بيئة إفتراضية مليئة بالتحديات المسلية ما بين الموظفين كتلك التي صنعتها شركة Salesforce، وربما لا يهتم كثيرًا إن تناول وجبات مجانية على مكتبه أو لا، عوضًا عن ذلك كله همما يطالبون بتوفير جو من التقدير والتحفيز  يكفل لهم حقوقهم ويساعدهم على التطور والارتقاء بأنفسهم ومنظماتهم، جو لا يشعر فيه الموظف بالحزن والاحباط نظير التقليل من عمله أو عدم المساواة بينه وبين أقرانه أو تكليفه أكثر مما يُطيق، جو بإختصار، لا يجعله يستيقظ كل صباح بتنهيدة تُخفي وراءها الكثير من المعاناة في سبيل السعي لكسب الرزق. 

لهذا، الرفاهية في العمل باتت مثار إهتمام شركات كثيرة حول العالم، لأنها بدأت تتعاطى مع هذه المسألة بمنظور يتجاوز “الرفاهية” حيث أن الأمر في نهاية المطاف يتعلق بتحقيق المصالح والأهداف، وفي لغة الأعمال هذا ليس مهم بل هو الشيء الوحيد الذي يهم. 

واليوم هناك عدد من المنظمات العالمية مثل المركز العالمي لبيئات العمل الصحية GCHW الذي يضع مجموعة جوائز تحفيزية للمنظمات التي تضع الرفاهية والصحة كأولوية لها، وأيضًا هناك مؤسسة Gallup الأمريكية التي منذ ما يقرب من عقدين من الزمن تمنح جائزة في هذا النطاق أطلقت عليها أسم بيئة العمل الإستثنائية Exceptional Workplace Award وهي جائزة مرموقة مخصصة للمؤسسات التي تستوفي المعايير المطلوبة التي حددتها أكبر دراسة شاملة تم إجراؤها على بيئات العمل، والتي تتضمن تحليل أكثر من 2.7 مليون عامل ينتمون لأكثر من 100 ألف فريق حول العالم.

وهنا يتبادر إلى الذهن مجموعة من التساؤلات: من الذي سّوق لتحمل ضغط العمل كميزة أساسية يُقدّم لأجلها مرشح ويُستبعد آخر؟ نعم كلنا نعلم أنه لا يوجد عمل بلا مسؤوليات، ومن الطبيعي جدًا أن تحمل معها هذه المسؤوليات شيء من الضغوط ولكن أي ضغوط بالضبط يجب أن يتحملها الموظف؟ تلك التي تتولد من طبيعة العمل ذاته أم الضغوط التي يصنعها صاحب العمل بنفسه؟ ولعل السؤال الأبرز: هل تحمل ضغوط العمل  مسؤولية فردية بحتة أم مهمة يتقلص أثرها على الصحة والنفس بالتعاون والدعم؟